أوَّلًا: أنَّ كتابة السيرة والمسيرة إنَّما هي من الحديث عن النفس، والحديث عن النفس لا بدَّ أن يتضمَّن لونًا ما من تزكية النفس، وتمجيد الذات، وتزيينها في أعين القُرَّاء، وهو أمر مذموم شرعًا وخُلُقًا. والله تعالى يقول: عن في﴿وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌۭ فِى بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمْ ۖ فَلَا تُزَكُّوٓا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰٓ﴾[النجم: 32]عن عن في يقول: ويتحدث عن اليهود في معرض الذم فيقول:﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم ۚ بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّى مَن يَشَآءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾[النساء: 49].
وقد سئل أحد الحكماء: ما الصِّدقُ القبيح؟ فقال: ثناء المرء على نفسه. أي وإن كان ثناؤه في ذاته حقًّا وصِدْقًا.
إنَّ كلمة «أنا» حين تصدر من المخلوق: كلمةٌ بغيضة، وأول من قالها شرُّ الخلق: إبليس. قالها في معرض الرفض والتحدي والاستكبار، حين أمره الله بالسجود لآدم، فأبى واستكبر، وقال:﴿أَنَا۠ خَيْرٌۭ مِّنْهُ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍۢ وَخَلَقْتَهُۥ مِن طِينٍۢ﴾[الأعراف: 12].
كانت «أنا» الإبليسيَّة أوَّل كلمة في تمجيد الذات عبَّر بها مخلوق شرير عن نفسه أمام ربِّه. مع أنَّه اعتراف بخلقه له:﴿ﭝ ﭞ ﭟ﴾مخلوق فما دمتَ مخلوقًا؛ فلِمَ تتمرد على خالقك؟ ولماذا تُعجب بنفسك وتنسى فضل ربك؟!
ولهذا حذَّر أهل السلوك من «العُجْب»، وعَدُّوا الإعجاب بالنفس من المهلكات، كالشح المطاع، والهوى المتبع، بل إنَّ العامَّة عندنا يقولون: لا يمدح نفسه إلَّا إبليس. أخذوا هذا القول من القرآن.
إنَّ «أنا» المعجبة المغرورة يجب أن تختفي فيما يقوله الدعاة إلى الله بألسنتهم، أو فيما يخطُّونه بأقلامهم، فليس هناك إلَّا «أنا» واحدة هي الَّتي تصدر من الربوبية الخالقة والحاكمة لهذا الكون، والَّتي تتجلى في