الحقُّ أنّ الله تعالى جنَّدك لتحرس هذه الثورة وتدافع عنها ببيانِك وعلمك، في مواجهة مَن أرادوا اغتيالها في مهدها، ولولا تجنيدُ الله لك ما بلغتْ مداها.
لقد كان هؤلاء الشباب الأطهار يُحَدِّثونني ودموعي تسيل على خدودي، فرحًا بفضل الله ونعمته عليَّ،﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍۢ فَمِنَ ٱللَّهِ﴾[النحل: 53]، ﴿قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌۭ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾[يونس: 58]، ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾[الضحى: 11].
ثانيها: أخذ الأجيال العِبرة:
أن تأخذ الأجيال العبرة من هذه الثورة المُعَلِّمة، وما تركته من رصيدٍ تربويٍّ للأجيال المصريَّة، وغير المصريَّة أيضًا، حيث كانت الثمانيةَ عشرَ يومًا في مَيْدان التحرير مدرسةً في تعليم الإيثار والبذل والتضحية، بعد أن كان هؤلاء المعتصمون مثلًا يُحتذى في الصبر والاحتمال وحُسن السلوك، لم يعتدِ واحدٌ على آخر، لم يُعاكس شابٌّ فتاة، ولم يختصم زميل مع زميله، بل يجوع الواحد ليشبع أخوه، ويعرى ليتغطَّى أخوه، ويعَرِّض صدره للرصاص ليحمي أخاه، وخصوصًا في أوقات الشدائد، مثل يوم وقعة البغال والجمال والخيول، ويوم إحاطة القنَّاصة بالمَيْدان، يقتلون النَّاس بغير حساب.
وأودُّ أن أبيِّن هنا أنَّ الثورة حدث كبير، يقوم به شعبٌ من الشعوب، مُعَبِّرًا عن آماله وأهدافه، رغم مناوأة الحكومة لقيامه ومحاولتها لكسر إرادته، وتضليل فكره، وتَصَدِّيها بكلِّ ما تملكه من قوَّة لإخمادها، وإطفاء شرارتها، وهو يأبى أن ينكسر حدُّه، أو يتأخَّر فجرُه، حتَّى ينتصر في النهاية.