أحكامها، كما نبيِّن ثمراتها ومكاسب التَّائب من ورائها في الدنيا والآخرة، كما بينَّا الموانع منها، والعقبات في طريقها، ثم البواعث عليها، وقد أطلنا في ذلك لشدَّة الحاجة إليه في عصر الشهوات والغفلات والشبهات.
ولقد اهتمَّ علماء السُّلوك جميعًا بالتَّوبة، وتحدَّثوا عنها؛ عن حقيقتها وأركانها، وشروطها: من أبي القاسم الجُنَيد وأبي سليمان الدَّاراني وذي النُّون المصري ورابعة العدوية، وغيرهم.
وكذلك المؤلفون في السلوك: من المحاسبي إلى المكِّي إلى القُشَيْري إلى الغزالي إلى ابن القيِّم، إلى مَن بعدهم.
ولقد بيَّن الإمام الغزالي في مقدمة كتاب «التوبة» من «الإحياء» أنَّ «التَّوْبة عن الذنوب بالرجوع إلى ستَّار العيوب وعلَّام الغيوب مبدأ طريق السَّالكين، ورأس مال الفائزين، وأول أقدام المريدين، ومفتاح استقامة المائلين، ومطلع الاصطفاء والاجتباء للمقرَّبين، ولأبينا آدم ! وعلى سائر الأنبياء أجمعين.
وما أجدر بالأولاد الاقتداء بالآباء والأجداد! فلا غرو إن أذنب الآدمي واجترم، ومن أشبه أباه فما ظلم، ولكنَّ الأب إذا جبَر بعد ما كسر، وعمر بعد أن هدم، فليكن النزوع إليه في كلا طرفي النفي والإثبات، والوجود والعدم، ولقد قرع آدم سنَّ الندم، وتندَّم على ما سبق منه وتقدَّم، فمن اتخذه قدوة في الذَّنب دون التَّوبة، فقد زلَّت به القدم، بل التجرد لمحض الخير دأب الملائكة والمقرَّبين، والتجرُّد للشرِّ دون التلافي سجيَّة الشياطين، والرجوع إلى الخير بعد الوقوع في الشرِّ ضرورة الآدميِّين؛ فالمتجرِّد للخير مَلَك مقرَّب عند الملك الديَّان،